الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
وقوله: (1) هذه آيات في إثبات صفة الرحمة: الآية الأولى: قوله: هذه آية أتى بها المؤلف ليثبت حكماً، وليست مقدمة لما بعدها، وقد سبق لنا شرح البسملة، فلا حاجة إلى إعادته. وفيها من أسماء الله ثلاثة: الله، الرحمن، الرحيم. ومن صفاته: الألوهية، والرحمة.
(1) الآية الثانية: قوله:
ما أعظم الإيمان وأعظم فائدته الملائكة حول العرش يحملونه، يدعون الله للمؤمن. * وقوله: وهذه هي الرحمة العامة التي تشمل جميع المخلوقات، حتى الكفار، لأن الله قرن الرحمة هذه مع العلم، فكل ما بلغه علم الله، وعلم الله بالغ لكل شيء، فقد بلغته رحمته، فكما يعلم الكافر، يرحم الكافر أيضاً. لكن رحمته للكافر رحمة جسدية بدنية دنيوية قاصرة غاية القصور بالنسبة لرحمة المؤمن، فالذي يرزق الكافر هو الله الذي يرزقه بالطعام والشراب واللباس والمسكن والمنكح وغير ذلك. أما المؤمنون، فرحمتهم رحمة أخص من هذه وأعظم، لأنهار رحمة إيمانية دينية دنيوية. ولهذا تجد المؤمن أحسن حالاً من الكافر، حتى في أمور الدنيا، لأن الله يقول: فهذا فرق ما بين الرحمة هذه وهذه. لكن مع الأسف الشديد أيها الأخوة: إن منا أناساً آلافاً يريدون أن يلحقوا بركب الكفار في الدنيا، حتى جعلوا الدنيا هي همهم، إن أعطوا، رضوا، وإن لم يعطوا، إذا هم يسخطون هؤلاء مهما بلغوا في الرفاهية الدنيوية، فهم في جحيم، لم يذوقوا لذة الدنيا أبداً، إنما ذاقها من آمن بالله وعمل صالحاً. ولهذا قال بعض السلف: والله، لو يعلم الملوك وأبناء لملوك ما نحن فيه، لجالدونا عليه بالسيوف. لأنه حال بينهم وبين هذا النعيم ما هم عليه من الفسوق والعصيان والركون إلى الدنيا وأنها أكبر همهم ومبلغ علمهم. قوله: وفي الآية من صفات الله: الربوبية وعموم الرحمة، والعلم.
(1) الآية الثالثة: قوله: * {بالمؤمنين}: متعلق بـ(رحيم)، وتقديم المعمول يدل على الحصر، فيكون معنى الآية: وكان بالمؤمنين لا غيرهم رحيماً. ولكن كيف نجمع بين هذه الآية والتي قبلها: نقول: الرحمة التي هنا غير الرحمة التي هناك. هذه رحمة خاصة متصلة برحمة الآخرة لا ينالها الكفار، بخلاف الأولى. هذا هو الجمع بينهما، وإلا؛ بخلاف الأولى. هذا هو الجمع بينهما، وإلا، فكل مرحوم، لكن فرق بين الرحمة الخاصة والرحمة العامة. وفي الآية من الصفات: الرحمة. ومن الناحية المسلكية: الترغيب في الإيمان.
(1) الآية الرابعة: قوله: ونقول فيها ما قلنا في الآية الثانية، فليرجع إليه. (2) الآية الخامسة: قوله: * {كتب}: بمعنى: أوجب على نفسه الرحمة، فالله عز وجل لكرمه وفضله وجوده أوجب على نفسه الرحمة، فالله عز وجل لكرمه وفضله وجوده أوجب على نفسه الرحمة، وجعل رحمته سابقه لغضبه، * ومن رحمته ما ذكره بقوله: {أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم} [الأنعام: 54] هذه من رحمته. * {سوءا}: نكرة في سياق الشرط، فتعم كل سوء، حتى الشرك. * {بجهالة}: يعني: بسفه، وليسالمراد بها عدم العلم، والسفه عدم الحكمة، لأن كل من عصى الله، فقد عصاه بجهالة وسفه وعدم حكمة. ولم يختم الآية بهذا، إلا سينال التائب المغفرة والرحمة، هذا من رحمته التي كتبها على نفسه، وإلا لكان مقتضى العدل أن يؤاخذه على ذنبه، ويجزيه على عمله الصالح. فلو أن رجلاً أذنب خمسين يوماً، ثم تاب وأصلح خمسين يوماً، فالعدل أن نعذبه عن خمسين يوماً، ونجازيه بالثواب عن خمسين يوماً، لكن الله عز وجل كتب على نفسه الرحمة، فكل الخمسين يوماً، لكن الله عز وجل كتب على نفسه الرحمة، فكل الخمسين يوماً التي ذهبت من السوء تمحى وتزول بساعة، وزد على ذلك: فظهر بهذا أثر قوله تعالى: وفي الآية من صفات الله: الربوبية، والإيجاب، والرحمة. (1) الآية السادسة: قوله: * الله عز وجل هو الغفور الرحيم، جمع عز وجل بين هذين الاسمين، لأن بالمغفرة سقوط عقوبة الذنوب، وبالرحمة حصول المطلوب، والإنسان مفقتر إلى هذا وهذا، ومفتقر إلى مغفرة ينجو بها من آثامه، ومفتقر إلى رحمة يسعد بها بحصول مطلوبة. * فـ {الغفور}: صيغة مبالغة مأخوذة من الغفر، وهو الستر مع الوقاية، لأنه مأخوذ من المغفر، والمغفر شيء يوضع على الرأس في القتال يقي من السهام، وهذا المغفر تحصل به فائدتان هما: ستر الرأس والوقاية. فـ {الغفور}: الذي يستر ذنوب عباده، ويقيهم آثامها، بالعفو عنها. ويدل على هذا ما ثبت في الصحيح:
(1) الآية السابعة: قوله: * * الشاهد من الآية هنا قوله: أرحم ما يكون من الخلق بالخلق رحمة الأم ولدها، فإن رحمة الأم ولدها لا يساويها شيء من رحمة الناس أبداً، حتى الأب لا يرحم أولاده مثل أمهم في الغالب. جاءت امرأة في السبي تطلب ولدها وتبحث عنه، فلما رأته، أخذته بشفقة وضمته إلى صدرها أمام الناس وأمام الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: جل جلاله، عز ملكه وسلطانه. كل الراحمين، إذا جمعت رحماتهم كلهم، فليست بشيء عند رحمة الله. ويدلك على هذا أن الله عز وجل خلق مئة رحمة، وضع منها رحمة واحدة يتراحم بها الخلائق في الدنيا (3) كل الخلائق تتراحم، البهائم والعقلاء، ولهذا تجد البعير الجموح الرموح ترفع رجلها عن ولدها مخافة أن تصيبه عندما يرضع حتى يرضع بسهولة ويسر، وكذلك تجد السباع الشرسة تجدها تحن على ولدها وإذا جاءها أحد في جحرها مع أولادها، ترمي نفسها عليه، فتدافع عنهم، حتى ترده عن أولادها. وقد دل على ثبوت رحمة الله تعالى: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل: فأما الكتاب، فجاء به إثبات الرحمة على وجوه متنوعة، تارة بالاسم، كقوله: وبمثل هذه الوجوه.. جاءت السنة. وأما الأدلة العقلية على ثبوت الرحمة لله تعالى، فمنها ما نرى من الخيرات الكثيرة التي تحصل بأمر الله عز وجل، ومنها ما نرى من النقم الكثيرة التي تندفع بأمر الله، كله دال على إثبات الرحمة عقلاً. فالناس في جدب وفي قحط، الأرض مجدبة، والسماء قاحطة، لا مطر، ولا نبات، فينزل الله المطر، وتنبت الأرض، وتشبع الأنعام، ويسقي الناس.. حتى العامي الذي لم يدرس، لو سألته وقلت: هذا من أي شيء؟ فسيقول: هذا من رحمة الله ولا يشك أحد في هذا أبداً. فرحمة الله عز وجل ثابتة بالدليل السمعي والدليل العقلي. وأنكر الأشاعرة وغيرهم من أهل التعطيل أن يكون الله تعالى متصفاً بالرحمة، قالوا: لأن العقل لم يدل عليها. وثانياً: لأن الرحمة رقة وضعف وتطامن للمرحوم، وهذا لا يليق بالله عز وجل، لأن الله أعظم من أن يرحم بالمعنى الذي هو الرحمة، ولا يمكن أن يكون لله رحمة!! وقالوا: المراد بالرحمة: إرادة الإحسان، أو: الإحسان نفسه، أي: إما النعم، أو إرادة النعم. فتأمل الآن كيف سلبوا هذه الصفة العظيمة، التي كل مؤمن يرجوها ويؤملها، كل إنسان لو سألته: ماذا تريد؟ قال: أريد رحمة الله ونحن نرد عليهم قولهم من وجهين: بالتسليم، والمنع: التسليم أن نقول: هب أن العقل لا يدل عليها، ولكن السمع دل عليها، فثبتت بدليل آخر، والقاعدة العامة عند جميع العقلاء: أن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، لأنه قد يثبت بدليل آخر. فهب أن الرحمة لم تثبت بالعقل، لكن ثبتت بالسمع، وكم من أشياء ثبتت بأدلة كثيرة. أما المنع، فنقول: إن قولكم: إن العقل لا يدل على الرحمة: قول باطل، بل العقل يدل على الرحمة، فهذه النعم المشهودة والمسموعة، وهذه النقم المدفوعة، ما سببها؟ إن سببها الرحمة بلا شك، ولو كان الله لا يرحم العباد، ما أعطاهم النعم، ولا دفع عنهم النقم! وهذا أمر مشهود، يشهد به الخاص والعام، العامي في دكانه أو سوقه يعرف أن هذه النعم من آثار الرحمة. والعجيب أن هؤلاء القوم أثبتوا صفة الإرادة عن طريق التخصيص، قالوا: الإرادة ثابتة لله تعالى بالسمع والعقل: بالسمع: واضح. وبالعقل: لأن التخصيص، يدل على الإرادة ومعنى التخصيص يعني تخصيص المخلوقات بما هي عليه يدل على الإرادة، كون هذه السماء سماء، وهذه الأرض أرضاً، وهذه النجوم وهذه الشمس... هذه مختلفة بسبب الإرادة، أراد الله أن تكون السماء سماء، فكانت، وأن تكون الأرض أرضاً، فكانت، والنجم نجماً، فكان.... وهكذا. قالوا: فالتخصيص يدل على الإرادة، لأنه لولا الإرادة، لكان الكل شيئاً واحداً! نقول لهم: يا سبحان الله العظيم! هذا الدليل على الإرادة بالنسبة لدلالة النعم على الرحمة أضعف وأخفى من دلالة النعم على الرحمة، لأن دلالة النعم على الرحمة يستوي في علمها العام والخاص، ودلالة التخصيص على الإرادة لا يعرفها إلا الخاص من طلبة العلم، فكيف تنكرون ما هو أجلى وتثبتون ما هو أخفى؟! وهل هذا إلا تناقض منكم؟! ما نستفيده من الناحية المسلكية في هذه الآيات: الأمر المسلكي: هو أن الإنسان ما دام يعرف أن الله تعالى رحيم، فسوف يتعلق برحمة الله، ويكون منتظراً لها، فيحمله هذا الاعتقاد على فعل كل سبب يوصل إلى الرحمة، مثل: الإحسان، قال الله تعالى فيه:
وقوله: (1) هذه من آيات الرضى، فالله سبحانه وتعالى موصوف بالرضى، وهو يرضى عن العمل، ويرضى عن العامل. يعني: أن رضى الله متعلق بالعمل وبالعامل.. أما بالعمل، فمثل قوله تعالى: وكما في قوله تعالى: فهذا الرضى متعلق بالعمل. ويتعلق الرضى أيضاً بالعامل، مثل هذه الآية التي ساقها المؤلف: فرضى الله صفة ثابتة لله عز وجل، وهي في نفسه، وليست شيئاً منفصلاً عنه: كما يدعيه أهل التعطيل. ولو قال لك قائل: فسر لي الرضى. لم تتمكن من تفسيره، لأن الرضى صفة في الإنسان غريزية، والغرائز لا يمكن لإنسان أن يفسرها بأجلى وأوضح من لفظها. فنقول: الرضى صفة في الله عز وجل، وهي صفة حقيقية، متعلقة بمشيئته، فهي من الصفات الفعلية، يرضى عن المؤمنين وعن المتقين وعن المقسطين وعن الشاكرينن ولا يرضى عن القوم الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يرضى عن المنافقين، فهو سبحانه وتعالى يرضى عن أناس ولا يرضى عن أناس، ويرضى أعمالاً ويكره أعمالاً. ووصف الله تعالى بالرضى ثابت بالدليل السمعي، كما سبق، وبالدليل العقلي، فإن كونه عز وجل يثيب الطائعين ويجزيهم على أعمالهم وطاعاتهم يدل على الرضى. فإن قلت: استدلالك بالمثوبة على رضى الله عز وجل قد ينازع فيه، لأن الله سبحانه قد يعطي الفاسق من النعم أكثر مما يعطي الشاكل. وهذا إيراد قوي. ولكن الجواب عنه أن يقال: إعطاؤه الفاسق المقيم على معصيته استدراج، وليس عن رضى: كما قال تعالى: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه، لم يفلته)، وتلا قوله تعالى: وقال تعالى: أما إذا جاءت المثوبة والإنسان مقيم على طاعة الله، فإننا نعرف أن ذلك صادر عن رضى الله عنه.
|